الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع
.(كِتَابُ الْوَصَايَا): يُقَالُ: وَصَّى تَوْصِيَةً وَأَوْصَى إيصَاءً وَالِاسْمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوَصَاةُ وَالْوِصَايَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَالْوَصَايَا جَمْعُ وَصِيَّةٍ كَقَضَايَا جَمْعُ قَضِيَّةٍ وَأَصْلُهُ وَصَائِي بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَ الْمَدِّ يَلِيهَا يَاءٌ مُتَحَرِّكَةٌ هِيَ لَامُ الْكَلِمَةِ فُتِحَتْ هَذِهِ الْهَمْزَةُ الْعَارِضَةُ فِي الْجَمْعِ وَقُلِبَتْ الْيَاءُ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا فَصَارَ وَصَاءَا، فَكَرِهُوا اجْتِمَاعَ أَلِفَيْنِ بَيْنَهُمَا هَمْزَةٌ فَقَلَبُوهَا يَاءً فَصَارَ وَصَايَا قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَلَوْ قِيلَ: إنَّ وَزْنَهُ فَعَالَى وَإِنَّ جَمْعَ الْمُعْتَلِّ خِلَافُ جَمْعِ الصَّحِيحِ لَكَانَ حَسَنًا انْتَهَى وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ وَصَيْتُ الشَّيْءَ أَصِيهِ إذَا وَصَلْتُهُ فَإِنَّ الْمَيِّتَ وُصِلَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ حَيَاتِهِ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ أَمْرِ مَمَاتِهِ (الْوَصِيَّةُ لُغَةً الْأَمْرُ) قَالَ تَعَالَى {وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} وَقَالَ {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} وَمِنْهُ قَوْلُ الْخَطِيبِ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ وَشَرْعًا (الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ) كَأَنْ يُوصِي إلَى إنْسَانٍ بِتَزْوِيجِ بَنَاتِهِ أَوْ غُسْلِهِ أَوْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إمَامًا أَوْ الْكَلَامِ عَلَى صِغَارِ أَوْلَادِهِ أَوْ تَفْرِقَةِ ثُلُثِهِ وَنَحْوِهِ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَوْصَى أَبُو بَكْرٍ بِالْخِلَافَةِ لِعُمَرَ، وَوَصَّى بِهَا عُمَرُ إلَى أَهْلِ الشُّورَى وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: بَعْدَ الْمَوْتِ الْوَكَالَةُ.(وَلَا تَجِبُ) الْوَصِيَّةُ لِأَجْنَبِيٍّ لِعَدَمِ دَلِيلِ وُجُوبِهَا وَلَا لِقَرِيبٍ وَآيَةُ {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ} مَنْسُوخَةٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (إلَّا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ) بِلَا بَيِّنَةٍ (أَوْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ) بِلَا بَيِّنَةٍ (أَوْ عَلَيْهِ وَاجِبٌ) مِنْ زَكَاةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ (يُوصِيَ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ) لِأَنَّ أَدَاءَ الْأَمَانَاتِ وَالْوَاجِبَاتِ وَاجِبٌ وَطَرِيقَةُ الْوَصِيَّةِ وَالْحَدُّ السَّابِقُ لِأَحَدِ نَوْعَيْ الْوَصِيَّةِ وَذَكَرَ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ التَّبَرُّعُ بِهِ) أَيْ: بِالْمَالِ (بَعْدَ الْمَوْتِ) أَخْرَجَ بِهِ الْهِبَةَ.(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (مِنْ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا) لِأَنَّ هِبَتَهُمْ صَحِيحَةٌ فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يُعَايِنْ الْمَوْتَ قَالَهُ فِي الْكَافِي لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ وَالْوَصِيَّةُ قَوْلٌ قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَلَكُ الْمَوْتِ فَيَكُونُ كَقَوْلِ الرِّعَايَةِ وَتُقْبَلُ أَيْ: التَّوْبَةُ مَا لَمْ يُعَايِنْ التَّائِبُ الْمَلَكَ وَقِيلَ مَا دَامَ مُكَلَّفًا وَقِيلَ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ أَيْ: تَبْلُغْ رُوحُهُ حُلْقُومَهُ.(وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ) وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِحَظِّ الْغُرَمَاءِ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ فِي ثُلُثِهِ بَعْدَ وَفَاءِ دُيُونِهِ.(وَ) تَصِحُّ (مِنْ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فِي غَيْرِ الْمَالِ) لِأَنَّ لَهُمْ عِبَادَةً صَحِيحَةً وَأَهْلِيَّةً تَامَّةً.(وَ) أَمَّا وَصِيَّتُهُمْ (فِي الْمَالِ) فَ (إنْ مَاتُوا عَلَى الرِّقِّ فَلَا وَصِيَّةَ تَصِحُّ لَهُمْ) لِانْتِفَاءِ مِلْكِهِمْ (وَمَنْ عَتَقَ مِنْهُمْ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُغَيِّرْ وَصِيَّتَهُ صَحَّتْ) وَصِيَّتُهُ (لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ مَعَ عَدَمِ الْمَالِ كَالْفَقِيرِ إذَا أَوْصَى وَلَا شَيْءَ) مِنْ الْمَالِ (لَهُ ثُمَّ اسْتَغْنَى) صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ.(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ بِمَالٍ) لِأَنَّهَا تَمَحَّضَتْ نَفْعًا لَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، فَصَحَّتْ مِنْهُ كَعِبَادَاتِهِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ وَلَيْسَ فِي الْوَصِيَّةِ إضَاعَةٌ لَهُ لِأَنَّهُ إنْ عَاشَ كَانَ مَالُهُ لَهُ وَإِنْ مَاتَ كَانَ ثَوَابُهُ لَهُ، وَهُوَ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَ(لَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ عَلَى أَوْلَادِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَتَصَرَّفَ عَلَيْهِمْ بِنَفْسِهِ فَوَصِيَّتُهُ أَوْلَى.(وَ) وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (مِنْ مُمَيِّزٍ عَاقِلٍ) لِلْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا تَصَرُّفٌ تَمَحَّضَ نَفْعًا لَهُ فَصَحَّ مِنْهُ كَالْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةِ.وَ(لَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (مِنْ سَكْرَان أَوْ مَجْنُونٍ) مُطْبَقٍ (وَمُبَرْسَمٍ وَطِفْلٍ دُونَ التَّمْيِيزِ) لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِكَلَامِهِمْ.(وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (مِمَّنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ بِإِشَارَةٍ وَلَوْ فُهِمَتْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَيْئُوسًا مِنْ نُطْقِهِ كَقَادِرٍ) عَلَى الْكَلَامِ.وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ أَنَّ امْرَأَةً قِيلَ لَهَا فِي مَرَضِهَا أَوْصِي بِكَذَا أَوْصِي بِكَذَا، فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا فَلَمْ يُجِزْهُ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.(وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (مِنْ أَخْرَسِ لَا تُفْهَمُ إشَارَتُهُ فَإِنْ فُهِمَتْ) إشَارَتُهُ (صَحَّتْ) لِأَنَّ تَعْبِيرَهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ عُرْفًا فَهِيَ كَاللَّفْظِ مِنْ قَادِرٍ عَلَيْهِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى صِحَّتِهَا مِنْهُ بِالْكِتَابَةِ.(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (فِي إفَاقَةِ مَنْ يُخْنَقُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ) لِأَنَّهُ فِي إفَاقَتِهِ عَاقِلٌ (وَالضَّعِيفُ فِي عَقْلِهِ إنْ مَنَعَ) ضَعْفُهُ (ذَلِكَ رُشْدُهُ فِي مَالِهِ فَكَسَفِيهٍ) تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ فِي مَالِهِ لَا عَلَى وَلَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ رُشْدَهُ فَهُوَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ.(وَإِنْ وُجِدَتْ وَصِيَّتُهُ بِخَطِّهِ الثَّابِتِ) أَنَّهُ خَطُّهُ (بِإِقْرَارِ وَرَثَتِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ تُعَرِّفُ خَطَّهُ صَحَّتْ) الْوَصِيَّةُ (وَعُمِلَ بِهَا) قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِالْخَطِّ الْمَعْرُوفِ وَكَذَا الْإِقْرَارُ إذَا وُجِدَ فِي دَفْتَرِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ انْتَهَى لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» وَلَمْ يَذْكُرْ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْكِتَابَةِ فَدَلَّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهَا.وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ وَغَيْرِهِمْ مُلْزِمًا لِلْعَمَلِ بِتِلْكَ الْكِتَابَةِ وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْمَقْصُودِ فَهِيَ كَاللَّفْظِ قَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ: ثُبُوتُ الْخَطِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْحَاكِمِ لِفِعْلِ الْكِتَابَةِ.وَقَالَ الْحَارِثِيُّ وَقَوْلُ أَحْمَدَ إنْ كَانَ عُرِفَ خَطُّهُ وَكَانَ مَشْهُورَ الْخَطِّ يَنْفُذُ مَا فِيهَا يُخَالِفُ مَا قَالَ فَإِنَّهُ أَنَاطَ الْحُكْمَ بِالْمَعْرِفَةِ وَالشُّهْرَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ لِمُعَايَنَةِ الْفِعْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ إلَى أَنْ قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِنِسْبَةِ الْخَطِّ إلَيْهِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ بِحَيْثُ يَسْتَقِرُّ فِي النَّفْسِ اسْتِقْرَارًا لَا تَرَدُّدَ مَعَهُ، فَوَجَبَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ (مَا لَمْ يُعْلَمْ رُجُوعَهُ عَنْهَا) أَيْ: الْوَصِيَّةِ فَتَبْطُلُ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ كَمَا يَأْتِي فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ رُجُوعُهُ عَنْهَا عُمِلَ بِهَا (وَإِنْ تَطَاوَلَتْ مُدَّتُهُ وَتَغَيَّرَتْ أَحْوَالُ الْمُوصِي، مِثْلُ أَنْ يُوصِيَ فِي مَرَضٍ فَيَبْرَأُ مِنْهُ ثُمَّ يَمُوتُ بَعْدَ) ذَلِكَ (أَوْ يُقْتَلَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ) أَيْ: الْمُوصِي عَلَى وَصِيَّتِهِ (وَعَكْسُهَا) أَيْ: عَكْسُ الْمَسْأَلَةِ (خَتْمُهَا) أَيْ: الْوَصِيَّةِ (وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ خَطُّهُ) فَلَا يُعْمَلُ بِهِ.(لَكِنْ لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ خَطُّهُ مِنْ خَارِجٍ عُمِلَ بِهِ) أَيْ: بِالْخَطِّ (لَا بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهَا) مَخْتُومَةً لِأَنَّهُ كِتَابٌ لَا يَعْلَمُ الشَّاهِدُ مَا فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ كَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي (وَعَكْسُ الْوَصِيَّةِ الْحُكْمُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ) لِلْقَاضِي الْحُكْمُ (بِرُؤْيَةِ خَطِّ الشَّاهِدِ) احْتِيَاطًا لِلْحُكْمِ.(وَلَوْ رَأَى الْحَاكِمُ حُكْمَهُ بِخَطِّهِ تَحْتَ خَتْمِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ أَوْ رَأَى الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ بِخَطِّهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّهَادَةَ لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ إنْفَاذُ الْحُكْمِ بِمَا وَجَدَهُ) بِخَطِّهِ تَحْتَ حُكْمِهِ (وَلَا لِلشَّاهِدِ الشَّهَادَةُ بِمَا رَأَى خَطَّهُ بِهِ) عَلَى الصَّحِيحِ احْتِيَاطًا.وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَالْوَصِيَّةِ أَنَّهَا سُومِحَ فِيهَا بِصِحَّتِهَا مَعَ الْغَرَرِ وَالْخَطَرِ وَبِالْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ فَجَازَتْ الْمُسَامَحَةُ فِيهَا بِالْعَمَلِ بِالْخَطِّ كَالرِّوَايَةِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ وَالشَّهَادَةِ (وَيَأْتِي) ذَلِكَ (فِي بَابِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، وَ) يَأْتِي (أَيْضًا آخِرَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ) مُفَصَّلًا (وَيُسَنُّ أَنْ يَكْتُبَ الْمُوصِي وَصِيَّتَهُ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ.(وَ) يُسَنُّ أَنْ (يُشْهِدَ) الْمُوصِي (عَلَيْهَا) بَعْدَ أَنْ يَسْمَعُوهَا مِنْهُ أَوْ تُقْرَأَ عَلَيْهِ فَيُقِرَّ بِهَا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ فِي صَدْرِهَا: هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَأُوصِي أَهْلِي أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ وَيُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ وَأُوصِيهِمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبَ {يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}).لِمَا ثَبَتَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ هَكَذَا كَانُوا يُوصُونَ أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ، خَرَّجَهُ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَفِي أَوَّلِهِ كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي صُدُورِ وَصَايَاهُمْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَوْصَى..فَصْلٌ: حكمُ الْوَصِيَّةِ: وَالْوَصِيَّةُ بِبَعْضِ الْمَالِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً لِمَا قَدَّمْنَا (بَلْ مُسْتَحَبَّةً) لِأَنَّهَا بِرٌّ وَمَعْرُوفٌ وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ زِيَادَةً فِي حَسَنَاتِكُمْ لِيَجْعَلَهَا لَكُمْ زَكَاةً فِي أَعْمَالِكُمْ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا وَهُوَ) أَيْ: الْخَيْرُ (الْمَالُ الْكَثِيرُ عُرْفًا) فَلَا يَتَقَدَّرُ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي تَقْدِيرِهِ (بِخُمُسِ مَالِهِ) رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيتُ بِمَا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ يَعْنِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} (لِقَرِيبٍ فَقِيرٍ لَا يَرِثُ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ الْوَصِيَّةَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ.فَخَرَجَ مِنْهُ الْوَارِثُونَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَبَقِيَ سَائِرُ الْأَقَارِبِ عَلَى الْوَصِيَّةِ لَهُمْ وَأَقَلُّ ذَلِكَ الِاسْتِحْبَابُ وَلِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِمْ فِي الْحَيَاةِ أَفْضَلُ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ (فَإِنْ كَانَ الْقَرِيبُ غَنِيًّا فَلِمِسْكِينٍ وَعَالِمٍ وَدَيِّنٍ وَنَحْوِهِمْ) كَالْغُزَاةِ.(وَتُكْرَهُ) الْوَصِيَّةُ (لِغَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ مَنْ تَرَكَ مَالًا كَثِيرًا (إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ) مُحْتَاجٌ كَمَا فِي الْمُغْنِي لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنْ تَتْرُكْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً» قَالَ: وَلِأَنَّ إعْطَاءَ الْقَرِيبِ الْمُحْتَاجِ خَيْرٌ مِنْ إعْطَائِهِ الْأَجْنَبِيَّ.فَمَتَى لَمْ يَبْلُغْ الْمِيرَاثُ غِنَاهُمْ كَانَ تَرْكُهُ لَهُمْ كَعَطِيَّتِهِمْ إيَّاهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَفْضَلَ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِهِ لِغَيْرِهِمْ فَعَلَى هَذَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ بِاخْتِلَافِ الْوَرَثَةِ، فِي كَثْرَتِهِمْ وَقِلَّتِهِمْ وَغِنَاهُمْ وَفَقْرِهِمْ (وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ بِفَرْضٍ أَوْ عَصَبَةٍ أَوْ رَحِمٍ تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ بِكُلِّ مَالِهِ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لِأَنَّ مَنْعَ مُجَاوَزَةِ الثُّلُثِ ثَبَتَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: إنَّكَ إنْ تَدَعْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً» فَحَيْثُ لَا وَارِثَ يَنْتَفِي الْمَنْعُ لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ.(فَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً لَا غَيْرُ، مَثَلًا وَ) كَانَ قَدْ (أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ لِزَيْدٍ أَوْ الْفُقَرَاءِ وَرَدَّ) الْوَصِيَّةَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ (بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ (فِي قَدْرِ فَرْضِهِ مِنْ الثُّلُثَيْنِ) فَإِنْ كَانَ الرَّادُّ زَوْجًا بَطَلَتْ فِي الثُّلُثِ لِأَنَّهُ لَهُ نِصْفُ الثُّلُثَيْنِ وَإِنْ كَانَ زَوْجَةً بَطَلَتْ فِي السُّدُسِ، لِأَنَّ لَهَا رُبُعَ الثُّلُثَيْنِ (فَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ الثُّلُثَ) لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةٍ (ثُمَّ يَأْخُذُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَرْضَهُ مِنْ الْبَاقِي، وَهُوَ الثُّلُثَانِ فَيَأْخُذُ رُبُعَهُمَا) وَهُوَ سُدُسٌ (إنْ كَانَ) الرَّادُّ (زَوْجَةً وَنِصْفَهُمَا) وَهُوَ ثُلُثٌ (إنْ كَانَ) الرَّادُّ (زَوْجًا، ثُمَّ يَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ مِنْ الْبَاقِي مِنْ الثُّلُثَيْنِ) لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا، فَلَا يَأْخُذَانِ مِنْ الْمَالِ أَكْثَرَ مِنْ فَرْضَيْهِمَا.(وَلَوْ أَوْصَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ بِمَالِهِ كُلِّهِ وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: الْمُوصِي (وَارِثٌ غَيْرُهُ أَخَذَ) الْمُوصَى لَهُ (الْمَالَ كُلَّهُ إرْثًا وَوَصِيَّةً) لِمَا تَقَدَّمَ (وَتَحْرُمُ الْوَصِيَّةُ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ (وَقِيلَ: تُكْرَهُ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: (وَهُوَ الْأَوْلَى) وَلَوْ قِيلَ بِالْإِبَاحَةِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ (اخْتَارَهُ جُمُوعٌ) وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهِبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ (عَلَى مَنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ، لِأَجْنَبِيٍّ، وَبِشَيْءٍ) مُطْلَقًا (لِوَارِثٍ) سَوَاءٌ وُجِدَتْ فِي صِحَّةِ الْمُوصِي أَوْ مَرَضِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لِسَعْدٍ حِينَ قَالَ: أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ: لَا، قَالَ: فَالشَّطْرُ قَالَ: لَا، قَالَ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إنَّكَ إنْ تَذَرْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، إلَّا النَّسَائِيَّ.(وَتَصِحُّ) هَذِهِ الْوَصِيَّةُ الْمُحَرَّمَةُ (وَتَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لَا تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ» وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ» رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَلَوْ خَلَا عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ فَمَعْنَاهُ: لَا وَصِيَّةَ نَافِذَةٌ أَوْ لَازِمَةٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُخَصِّصَانِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعُمُومِ، وَلِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ، إنَّمَا هُوَ الْوَرَثَةُ، فَإِذَا رَضَوْا بِإِسْقَاطِهِ سَقَطَ (إلَّا إذَا أَوْصَى بِوَقْفِ ثُلُثِهِ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ فَيَجُوزُ وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ).(وَإِنْ أَسْقَطَ) مَرِيضٌ (عَنْ وَارِثِهِ دَيْنًا) فَكَوَصِيَّةٍ (وَإِنْ أَوْصَى بِقَضَائِهِ) أَيْ: قَضَاءِ دَيْنٍ عَنْ وَارِثِهِ (أَوْ أَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ صَدَاقَهَا عَنْ زَوْجِهَا) فَكَوَصِيَّةٍ (أَوْ عَفَا عَنْ جِنَايَةٍ مُوجِبُهَا الْمَالُ) فِي مَرَضِهِ الْمَخُوفِ (فَكَالْوَصِيَّةِ) يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ، لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فِي الْمَرَضِ فَهُوَ كَالْعَطِيَّةِ فِيهِ.(وَإِنْ أَوْصَى لِوَلَدِ وَارِثِهِ) بِالثُّلُثِ فَمَا دُونُ (صَحَّ) ذَلِكَ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ (فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ نَفْعَ الْوَارِثِ لَمْ يَجُزْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ) لِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ وَتَنْفُذُ حُكْمًا كَمَا تَقَدَّمَ.(وَتَصِحُّ وَصِيَّةٌ) مِنْ صَحِيحٍ وَمَرِيضٍ (لِكُلِّ وَارِثٍ بِمُعَيَّنٍ) مِنْ الْمَالِ (بِقَدْرِ إرْثِهِ، وَلَوْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ، كَرَجُلٍ خَلَّفَ ابْنًا وَبِنْتًا وَ) خَلَّفَ (عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَأَمَةً قِيمَتُهَا خَمْسُونَ فَوَصَّى لَهُ بِهِ) أَيْ: لِلِابْنِ بِالْعَبْدِ (وَ) وَصَّى (لَهَا بِهَا) أَيْ: لِلْبِنْتِ بِالْأَمَةِ فَيَصِحُّ لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ فِي الْقَدْرِ لَا فِي الْعَيْنِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ عَاوَضَ الْمَرِيضُ بَعْضَ وَرَثَتِهِ أَوْ أَجْنَبِيًّا جَمِيعَ مَالِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ وَلَوْ تَضَمَّنَ فَوَاتَ عَيْنِ جَمِيعِ الْمَالِ (وَكَذَا وَقْفُهُ) أَيْ: الْمَرِيضِ الثُّلُثَ فَأَقَلَّ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ، وَكَذَا وَصِيَّتُهُ بِوَقْفِ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ، فَإِنْ وَقَفَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ صَحَّ (لَكِنْ بِالْإِجَازَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ.(وَاحِدًا) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَدَّهُ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِهِ فَأَحْرَى إذَا كَانَ عَلَى نَفْسِهِ (وَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْوَصَايَا وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ تَحَاصُّوا فِيهِ) أَيْ: الثُّلُثِ.فَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ (وَلَوْ) كَانَتْ وَصِيَّةُ بَعْضِهِمْ (عِتْقًا كَمَسَائِلِ الْعَوْلِ) لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي الْأَصْلِ، وَتَفَاوَتُوا فِي الْمِقْدَارِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ (وَالْعَطَايَا الْمُعَلَّقَةُ بِالْمَوْتِ كَقَوْلِهِ: إذَا مِتَّ فَأَعْطُوا فُلَانًا كَذَا، أَوْ) إذَا مِتَّ فَ (اعْتِقُوا فُلَانًا وَنَحْوَهُ وَصَايَا كُلُّهَا) لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ.وَهَذَا مَعْنَى الْوَصِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ كَانَتْ) الْوَصَايَا وَالْعَطَايَا الْمُعَلَّقَةُ بِالْمَوْتِ (فِي حَالِ الصِّحَّةِ) أَوْ بَعْضُهَا فِي الصِّحَّةِ وَبَعْضُهَا فِي الْمَرَضِ؛ فَيُسَوِّي بَيْنَهُمْ (وَيُسَوِّي بَيْنَ مُقَدَّمِهَا وَمُؤَخَّرِهَا) لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَوُجِدَ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَتَقَدَّمَ (وَ) يُسَوِّي أَيْضًا بَيْنَ (الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ) فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَطَايَا.(وَإِذَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ) الْمُعَيَّنِ وَخَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ (لَزِمَ الْوَارِثَ إعْتَاقُهُ) لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهَا وَلَا يَعْتِقُ قَبْلَ إعْتَاقِهِ (وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ) أَيْ: إعْتَاقِهِ (إنْ أَبَى) أَنْ يَعْتِقَهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ.(وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْوَارِثُ أَوْ الْحَاكِمُ) عِنْدَ عَدَمِهِ أَوْ امْتِنَاعِهِ (فَهُوَ) أَيْ: الْعَبْدُ (حُرٌّ مِنْ حِينِ أَعْتَقَهُ) لَا مِنْ الْمَوْتِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ فِي مُوصَى بِوَقْفِهِ.وَفِي الرَّوْضَةِ: الْمُوصَى بِعِتْقِهِ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ، وَلَهُ حُكْمُ الْمُدَبَّرِ فِي كُلِّ أَحْكَامِهِ (وَوَلَاؤُهُ لِلْمُوصِي) لِأَنَّهُ السَّبَبُ (فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِعِتْقِهِ إلَى غَيْرِ الْوَارِثِ، كَانَ الْإِعْتَاقُ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى مَنْ عَيَّنَهُ الْمُوصِي وَلَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ (غَيْرُهُ) أَيْ: غَيْرُ مَنْ عَيَّنَهُ الْمُوصِي (إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ) مِنْ الْإِعْتَاقِ، فَإِنْ امْتَنَعَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَهُ فَإِنْ امْتَنَعَ فَالْحَاكِمُ (وَمَا كَسَبَ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْإِعْتَاقِ فَلَهُ) أَيْ: لِلْمُوصَى بِعِتْقِهِ لِاسْتِحْقَاقِ الْحُرِّيَّةِ فِيهَا اسْتِحْقَاقًا لَازِمًا قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَكَرِهَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ.وَقَالَ فِي الْمُغْنِي فِي آخِرِ بَابِ الْعِتْقِ: كَسْبُهُ لِلْوَرَثَةِ كَأُمِّ الْوَلَدِ انْتَهَى، وَالثَّانِي جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى فِي آخِرِ بَابِ الْمُوصَى لَهُ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ (وَإِنْ رَدَّ الْوَرَثَةُ مَا يَقِفُ عَلَى إجَازَتِهِمْ) كَالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ لِوَارِثٍ بِشَيْءٍ (بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهِ) أَيْ: فِيمَا تَوَقَّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِ فَلَوْ أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ بِالنِّصْفِ فَرَدُّوهَا بَطَلَتْ فِي السُّدُسِ خَاصَّةً لِمَا تَقَدَّمَ وَنَفَذَتْ فِي الثُّلُثِ..(فَصْلٌ): حكم إجازة الْوَرَثَةِ لِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ: (وَإِجَازَتُهُمْ) أَيْ: الْوَرَثَةِ لِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَلِلْوَارِثِ بِشَيْءٍ (تَنْفِيذٌ) لِقَوْلِ الْمُوصِي (لَا هِبَةَ) أَيْ: لَيْسَتْ إجَازَتُهُمْ هِبَةً مُبْتَدَأَةً كَمَا يَقُولُهُ مَنْ قَالَ بِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ (فَلَا تَفْتَقِرُ) الْإِجَازَةُ (إلَى شُرُوطِهَا) أَيْ: الْهِبَةِ، وَالْمُرَادُ بِالشُّرُوطِ هُنَا: مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ وَإِنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَاهِيَّةِ، فَيَتَنَاوَلُ الْأَرْكَانَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ وَنَحْوِهِ) كَالْعِلْمِ بِمَا وَقَعَتْ فِيهِ الْإِجَازَةُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ.(وَلَا تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا) أَيْ: الْهِبَةِ فِيمَا وَقَعَتْ فِيهِ الْإِجَازَةُ (فَلَوْ كَانَ الْمُجِيزُ أَبًا لِلْمُجَازِ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ) فِيمَا أَجَازَهُ لِابْنِهِ، لِأَنَّ الْأَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيمَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ، وَالْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ لِمَا وَهَبَهُ غَيْرُهُ لِابْنِهِ (وَلَا يَحْنَثُ بِهَا) أَيْ بِالْإِجَازَةِ (مَنْ حَلَفَ لَا يَهَبُ) شَيْئًا، فَأَجَازَ الْوَصِيَّةَ بِهِ، لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَيْسَتْ بِهِبَةٍ (وَلَا يُعْتَبَرُ) لِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ (أَنْ يَكُونَ الْمُجَازُ مَعْلُومًا) لِأَنَّهُ لَيْسَ هِبَةً (وَلَوْ كَانَ الْمُجَازُ عِتْقًا كَانَ الْوَلَاءُ لِلْمُوصِي تَخْتَصُّ بِهِ) أَيْ: بِالْإِرْثِ بِهِ (عَصَبَتُهُ) دُونَ بَاقِي وَرَثَتِهِ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَنْفِيذٌ لِفِعْلِ الْمَيِّتِ.(وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ أَمَةً فَوَلَدَتْ قَبْلَ الْعِتْقِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ تَبِعَهَا الْوَلَدُ) فِي الْعِتْقِ (كَأُمِّ الْوَلَدِ) وَالْمُدَبَّرَةِ (وَلَوْ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ الْمُفْتَقِرَةَ إلَى الْإِجَازَةِ) لِمُجَاوَزَتِهَا الثُّلُثَ أَوْ لِكَوْنِهَا لِوَارِثٍ (قَبْلَ الْإِجَازَةِ ثُمَّ أُجِيزَتْ) الْوَصِيَّةُ بَعْدَ قَبُولِهَا (فَالْمِلْكُ ثَابِتٌ لَهُ مِنْ حِينِ قَبُولِهِ) الْوَصِيَّةَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِ الْإِجَازَةِ لِأَنَّهَا تَنْفِيذٌ لِقَوْلِ الْمُوصِي لَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ.(وَمَا جَاوَزَ الثُّلُثَ مِنْ الْوَصَايَا إذَا أُجِيزَ) لِلْمُوصَى لَهُ (زَاحَمَ بِهِ مَنْ لَمْ يُجَاوِزْ الثُّلُثَ كَوَصِيَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا مُجَاوِزَةُ الثُّلُثِ وَالْأُخْرَى غَيْرُ مُجَاوِزَةٍ كَ) وَصِيَّةِ (نِصْفٍ، وَ) وَصِيَّةٍ بِ (ثُلُثِ فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ الْمُجَاوِزَةَ لِلثُّلُثِ خَاصَّةً) وَهِيَ وَصِيَّةُ النِّصْفِ (فَإِنَّ صَاحِبَ النِّصْفِ يُزَاحِمُ صَاحِبَ الثُّلُثِ بِنِصْفٍ كَامِلٍ فَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ) وَهِيَ بَسْطُ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ مِنْ مُخْرِجِهِمَا وَهُوَ سِتَّةٌ (لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ) أَيْ: الثُّلُثِ.(وَلِلْآخَرِ) صَاحِبِ الثُّلُثِ (خُمُسَاهُ ثُمَّ يُكَمَّلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ) نِصْفُهُ (بِالْإِجَازَةِ) وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا عَطِيَّةٌ فَإِنَّمَا يُزَاحِمُهُ بِثُلُثٍ خَاصَّةً، إذْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ عَطِيَّةٌ مَحْضَةٌ مِنْ الْوَرَثَةِ لَمْ تُتَلَقَّ مِنْ الْمَيِّتِ، فَلَا يُزَاحَمُ بِهَا الْوَصَايَا فَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ يُكَمَّلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ بِالْإِجَازَةِ وَإِنَّمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ لِهَذِهِ لِإِشْكَالِهَا عَلَى كَثِيرٍ وَلِذَلِكَ تُمِّمَتْ بِذِكْرِ الْمُقَابِلِ.(وَلَوْ أَجَازَ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَصِيَّةَ مَوْرُوثِهِ جَازَتْ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ مِنْ ثُلُثِهِ) لِأَنَّهَا تَنْفِيذٌ لَا عَطِيَّةٌ هَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَخَالَفَ فِي الْمُنْتَهَى تَبَعًا لِلْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَصَاحِبِ الْمُحَرَّرِ فَقَالَ تُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ لِأَنَّهُ بِالْإِجَازَةِ قَدْ تَرَكَ حَقًّا مَالِيًّا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَتْرُكَهُ، فَهُوَ كَمُحَابَاةِ صَحِيحٍ فِي بَيْعِ خِيَارٍ لَهُ ثُمَّ مَرِضَ زَمَنَهُ (وَإِنْ كَانَ) الْمُجَازُ (وَقْفًا عَلَى الْمُجِيزِينَ صَحَّ) (وَلَزِمَ)، لِأَنَّ الْوَقْفُ لَيْسَ صَادِرًا مِنْ الْمُجِيزِ وَلَا مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُنَفِّذٌ لَهُ (وَيَكْفِي فِيهَا) أَيْ: الْإِجَازَةِ (قَوْلُ الْوَارِثِ: أَجَزْتُ أَوْ أَمْضَيْتُ أَوْ أَنَفَذْتُ وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَرَضِيتُ بِمَا فَعَلَهُ (فَإِذَا قَالَ) الْوَارِثُ (ذَلِكَ لَزِمَتْ الْوَصِيَّةُ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَطِيَّةٍ وَإِلَّا لَانْعَكَسَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ.(وَإِنْ أَوْصَى أَوْ وَهَبَ لِوَارِثٍ) ظَاهِرًا كَأَخٍ (فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ) لِتُجَدِّد ابْنٍ (صَحَّتْ) الْوَصِيَّةُ وَالْعَطِيَّةُ إنْ خَرَجَتَا مِنْ الثُّلُث، لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْوَصِيَّةِ بِحَالِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الِانْتِقَالُ إلَى الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ وَالْعَطِيَّةُ مُلْحَقَةٌ بِالْوَصِيَّةِ فِي ذَلِكَ.(وَعَكْسُهُ) بِأَنْ أَوْصَى لَهُ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ كَأَخِيهِ مَعَ وُجُودِ ابْنِهِ، فَصَارَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَارِثًا لِنَحْوِ مَوْتِ ابْنِهِ (بِعَكْسِهِ) أَيْ: فَتَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ (لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَوْتِ) لِمَا تَقَدَّمَ وَالْعَطِيَّةُ مُلْحَقَةٌ بِهَا (وَلَا تَصِحُّ إجَازَتُهُمْ) أَيْ: الْوَرَثَةِ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ (وَ) لَا يَصِحُّ (رَدُّهُمْ) حَيْثُ سَاغَ (إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي) لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُمْ حِينَئِذٍ فَيَصِحُّ مِنْهُمْ الْإِجَازَةُ وَالرَّدُّ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.(فَلَوْ أَجَازُوا قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ: مَوْتِ الْمُوصِي (أَوْ رَدُّوا) قَبْلَهُ (أَوْ أَذِنُوا لِمُوَرِّثِهِمْ فِي صِحَّتِهِ أَوْ) فِي (مَرَضِهِ بِالْوَصِيَّةِ بِجَمِيعِ مَالِهِ) وَلَوْ لِأَجْنَبِيٍّ (أَوْ) أَذِنُوا لَهُ بِالْوَصِيَّةِ بِشَيْءٍ (لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ فَلَهُمْ الرَّدُّ بَعْدَ مَوْتِهِ) وَلَا عِبْرَةَ بِمَا صَدَرَ مِنْهُمْ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَقْتَهُ، كَالْمَرْأَةِ تُسْقِطُ مَهْرَهَا قَبْلَ النِّكَاحِ، وَالشَّفِيعِ يُسْقِطُ شُفْعَتَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ.(وَمَنْ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ) لِوَارِثٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ (إذَا كَانَتْ) الْوَصِيَّةُ (جُزْءًا مُشَاعًا مِنْ التَّرِكَةِ كَنِصْفِهَا ثُمَّ قَالَ إنَّمَا أَجَزْتُ لِأَنَّنِي ظَنَنْتُ الْمَالَ قَلِيلًا) بِأَنْ كَانَتْ سِتَّةَ آلَافٍ فَقَالَ ظَنَنْتُهُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ: الْمُجِيزِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُجِيزَ إنَّمَا يَتْرُكُ الِاعْتِرَاضَ لِلْمُوصَى لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْمُنَازَعَةَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ وَيَسْتَخِفُّهُ فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ إنَّمَا أَجَازَ لِظَنِّهِ قِلَّةَ الْمَالِ كَانَ الظَّاهِرُ مَعَهُ فَصَدَقَ (مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ كَذِبُهُ.(وَلَهُ) أَيْ: الْمُجِيزِ (الرُّجُوعُ بِمَا زَادَ عَلَى ظَنِّهِ) لِأَنَّ مَا هُوَ فِي ظَنِّهِ قَدْ أَجَازَهُ فَلَا اعْتِرَاضَ لَهُ فِيهِ فَبَقِيَ مَا لَيْسَ فِي ظَنِّهِ، فَيَرْجِعُ بِهِ فَفِي الْمِثَالِ يَرْجِعُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَيَحْصُلُ لِلْمُوصَى لَهُ أَلْفَانِ وَخَمْسمِائَةٍ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ ظَاهِرًا لَا يَخْفَى) فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُجِيزِ أَنَّهُ ظَنَّهُ قَلِيلًا لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (أَوْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِعِلْمِهِ) أَيْ: الْمُجِيزِ (بِقَدْرِهِ) أَيْ: الْمَالِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَمَلًا بِالْبَيِّنَةِ.(وَإِنْ كَانَ الْمُجَازُ عَيْنًا كَعَبْدٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ) مُعَيَّنٍ (يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ) وَصَّى بِهِ أَوْ وَهَبَهُ الْمَرِيضُ فَأَجَازَ الْوَارِثُ (وَقَالَ) بَعْدَ الْإِجَازَةِ (ظَنَنْتُ الْمَالَ كَثِيرًا تَخْرُجُ الْوَصِيَّةُ مِنْ ثُلُثِهِ فَبَانَ) الْمَالُ (قَلِيلًا أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ أَعْلَمْهُ) لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَ الْمُجَازُ مَبْلَغًا مَعْلُومًا) كَمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ عَشْرَةِ دَنَانِيرَ أَوْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ بُرٍّ تَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ أَوْصَى بِهَا وَأَجَازَهَا الْوَارِثُ ثُمَّ قَالَ ظَنَنْتُ الْبَاقِيَ كَثِيرًا فَبَانَ قَلِيلًا أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ أَعْلَمْهُ (لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ) وَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ لِأَنَّ الْمُجَازَ مَعْلُومٌ لَا جَهَالَةَ فِيهِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَإِنْ قَالَ ظَنَنْتُ قِيمَتَهُ أَلْفًا فَبَانَ أَكْثَرَ قُبِلَ وَلَيْسَ نَقْضًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ وَقَالَ وَإِنْ أَجَازَ وَقَالَ أَرَدْتُ أَنَّ أَصْلَ الْوَصِيَّة قُبِلَ (وَلَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بِالْمَالِ أَشْبَهَتْ الْهِبَةَ (إلَّا الْمُفْلِسِ وَالسَّفِيهِ) فَتَصِحُّ الْإِجَازَةُ مِنْهُمَا لِأَنَّهَا تَنْفِيذٌ لَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ.
|